
جاءَ ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، إلى مصر في زيارة خطط لها مُنذ عدة شهور، وهي الزيارة التى اعتبرها الكثيرون «حجر الزاوية» في تاريخ العلاقات المصريّة السعودية، ومن جانبه أصدر الرئيس، عبد الفتاح السيسي، «إعلان القاهرة» في ختام مباحثاتهما للتأكيد على متانة العلاقات بين مصر والسعودية، والتعاون المشترك لتعزيز أمن واستقرار المنطقة.
«لا غني للعرب عن مصر، ولا غني لمصر عن العرب»، جُملة كان يُرددها ملك السعودية الراحل، عبد العزيز بن آل سعود، وصف فيها علاقة بلاده بمصر، فتم اعتبار تلكَ الجملة هي أساس العلاقة بين البلدين مُنذ أكثر من 90 عامَا.
ويُذكر أنّ في عام 1926، وضعت عاصمتيّ البلدين، القاهرة والرياض، أول حجر أساس في علاقتهما، من خلالها توقيع معاهدة الصداقة بين البلدين، والتي أيدت فيها المملكة مطالب مصر بجلاء القوات البريطانية من أراضيها، ووقفت بجانبها وأيدتها أمام الجامعة العربية والأمم المتحدة، وفي كل المحافل الدولية أيضًا.
«المصري لايت» ترصُد لكُم 5 مواقف مُشتركة توضح عُمق العلاقات التاريخية بين مصر والسعودية
5. زيارة للملك عبد العزيز قبل 70 عامًا
يناير 1946، هو تاريخ زيارة الملك عبد العزيز لمصر، في زيارة وصفت بـ «التاريخية»، فعند وصوله إلى القاهرة استقل مع الملك فاروق عربة ملكية مكشوفة إلى قصر عابدين، مرورًا بشوارع وميادين القاهرة، ورحبت به الجماهير ترحيبًا لافتًا، وقد جاءَ إلى مصر عبّر اليخت الملكي للمحروسة، الذي أعدّ ليقل الملك عبد العزيز في زيارته، فيما صعد الملك فاروق إلى ظهر «المحروسة» ليستقبل الضيف.
«ليس البيان بمسعف في وصف ما لاقيتُه، ولكن اعتزازي أني كنت أشعر بأن جيش مصر العربي هو جيشكم، وجيشكم هو جيش مصر، وحضارة مصر هي حضارتكم، وحضارتكم هي حضارة مصر، والجيشان والحضارتان جندٌ للعرب»، هكذا قال الملك عبد العزيز في بيانِه عن زيارة مصر، وكانت تلكَ الزيارة قد جاءت ردًا على زيارة الملك فاروق إلى السعودية عام 1945، وقد أعادت العلاقات بين السعودية ومصر إلى مجراها الطبيعيّ، بعد أن مرّت آنذاك بحالة من من التوتر. بحسب عدد من المؤرخين.
وفي كل مناسبة كان الملك عبدالعزيز يشيد بما وجده في مصر من حفاوة وتكريم، حيثُ أشار عقب مقابلته لوفد رابطة الحجاج الجامعيين، إلى أنّ ما قابله في مصر أمر فوق الطاقة، وأنه «لا يستطيع أحد أن يصل إلى ما في السماء، غير أن إخواننا المصريين الأعزاء عملوا لإكرامي كل شيء ممكن فوق الأرض«.
4. تأييد السعودية لمصر في «اتفاقية الجلاء»
وفي يوم 19 أكتوبر سنة 1954، تم توقيع اتفاقية الجلاء التى أقرّت بنهاية الاحتلال الانجليزي لمصر، وجاءت الاتفاقية كنتيجة لمُباحثات ومفاوضات استمرت أكثر من سنة بين الجانبين المصري والبريطاني، والتى بدأت في 27 ابريل سنة 1953، ونصّت الاتفاقية على جلاء الانجليز عن مصر بالكامل خلال 20 شهر من توقيع الاتفاقية، والغاء معاهدة التحالف التى تمت سنة 1936. وبالفعل انتهى الاحتلال الانجليزي لمصر والذي استمر لمدة 73 عامًا بخروج أخر جُندي انجليزي من مصر في 18 يونيو 1956.
وكان للمملكة العربية السغودية في تلكَ الأحداث موقف يُذكر، حيثُ وقفت السعودية إلى جانب مصر عند مطالبتها بجلاء القوات البريطانية عن الأراضي المصرية، فأيدّت السعودية مطالب مصر المشروعة، كمّا وقفت إلى جوارها في جامعة الدول العربية، بالإضافة إلى جميع المحافل الدولية.
3. الملك «سلمان» يتطوّع في الجيش المصري
وذكرت بوابة الأهرام، إلى مشاركة الملك «سلمان» في التطوّع بالجيش المصري إبان العدوان الثلاثي على مصر. ويقول اللواء، عبد المنعم السعيد عن ذلك: «عندما جاء العدوان الثلاثي، شهدت مصر تجمعًا للمشاركة الشعبية العربية تقدمهم أمراء المملكة العربية السعودية، منهم الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي ارتدى زيه العسكري بجوار 3 من أشقائه هم الملك فهد، والأمير تركي، والأمير محمد، حيث نحى كل منهم لقبه كأمير فى اﻷسرة الحاكمة آنذاك جانباً، أمام ضابط مصري، بانتظار التعليمات العسكرية الأخيرة، لتدشين مهمتهم في الدفاع عن مصر خلال العدوان الثلاثي عام 1956».
كمّا شارك الملك سلمان في أطول معركة جوية، وشكّل لجنة تبرعات لأهالي السويس الذين أصابتهم أضرار العدوان تحت اسم «لجنة التبرع لمنكوبي السويس»، حيث منهم من فقد منزله، وآخرون فقدوا مصدر رزقهم، كما شكَّل «سلمان» لجنة من أجل جمع التبرعات لمصر أثناء حرب أكتوبر المجيدة، وذلك بعد 17 عامًا من العدوان الثلاثي، وكان ذلك تحت اسم «اللجنة الشعبية لدعم المجهود الحربي في مصر».
وتحتفى كثير من المواقع المصرية والسعودية بالوثائق التى تشير إلى مشاركة الأمراء «سلمان وفهد وترك» في القتال مع قوات الجيش المصري ضد العدوان الثلاثي، وفقًا لبوابة الأهرام، وتحديدا في مدينة السويس، والتي نجحت فى وقف تقدم الجيوش المعادية، وفرض السيادة العربية المصرية على المجرى الملاحي لقناة السويس بعد تأميم الشركة المنوطة بها إدارتها فى عهد عبدالناصر، وأظهرت الصور النادرة، الملك سلمان حينما كان عمره 21 عاما، وبجواره أخواه الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز والأمير تركي الثاني، وقد اصطفوا بشكل نظامي مرتدين زى الحرس الوطنى السعودي، أمام ضابط مصري، أخذ يوضح لهم بعض التدريبات العسكرية، كما ضمت الصور لقطة نادرة للملك سلمان، برفقة الرئيس الراحل جمال عبدا لناصر.
2. مـوقـف «سعـود» من أزمة 1956 في مصر
وكانت مصر قد اتخذت قراراً منذ إعلان قيام دولة الكيان الصهيوني بمنعها من المرور في قناة السويس، فتقدمت إسرائيل بشكوى إلى مجلس الأمن في هذا الصدد، ونجحت الولايات المتحدة في تمرير قرار يؤيد حق إسرائيل في استخدام قناة السويس في سبتمبر 1951م، لكن رفضت مصر تنفيذ القرار على اعتبار أنها في حالة حرب مع إسرائيل، ثم تكرر طلب إسرائيل مرة أخرى في ربيع 1954 مصحوباً بشكوى عدم تنفيذ قرار مجلس الأمن السابق، لكن الاتحاد السوفيتي- الساعي إلى فتح ميدان له في الشرق الأوسط- استخدم حق الاعتراض (فيتو) ضد القرار. وفقًا للدراسة التى أعدّها، عبد اللطيف الصبّاغ، لجامعة الملك فيصل.
وبعد أن تولى الملك سعود الحكم ألقى خطاباً في مارس 1954م أكد فيه على ضرورة التعاون مع الدول العربية، طبقاً لميثاق جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع المشترك، وكانت أول خطوة في هذا التقارب اعتراف الملك سعود بالنظام الجمهوري الجديد، وكان سعود أول زعيم عربي يزور القاهرة بعد حركة يوليو 1952، وكانت مصر أول محطة للملك سعود في سلسلة زياراته الخارجية، فلقي كل حفاوة وترحيببما يعكس مكانتها لديه.
وأخذت صحف القاهرة والرياض تصف الاستقبال الحافل لضيف مصر الكبير؛ فخرجت جموع الشعب في استقبل العاهل السعودي، يتقدمهم الرئيس نجيب وعبد الناصر وشكري القوتلي الرئيس السوري والوزراء وشيخ الأزهر وكبار العلماء، وعند وصول الطائرة الملكية انطلقت في الجو أسراب طائرات سلاح الطيران، وأطلقت المدافع 21 طلقة تحية لضيف مصر واعتبرت الصحف السعودية أن الزيارة توثيق لعرى التعاون الودي والتضامن الأخوي بين الحكومتين الصديقتين وشعبيهما، وانتعاش لآمال العرب والمسلمين.
استمرت زيارة الملك سعود من السبت 20 مارس إلى الأحد 28 مارس، جال خلالها بين مدن مصر وآثارها ومصانع الأسلحة والذخيرة وغيرها والجيش والكلية الحربية ووزارة الخارجية ومنزل نجيب، وأدى صلاة الجمعة بالجامع الأزهر.
وخلال الزيارة أوضح الملك سعود أن سياسة بلاده الخارجية هي سياسة عربية تستهدف مصلحة العرب، وأنه يوافق مصر في سياستها الخارجية، وواجب العرب أن يقفوا صفاً واحداً مع مصر، وعندما سأله محرر إحدى الصحف المصرية عن سبب رفضه المعونة الأمريكية العسكرية والمالية التي عرضتها الولايات المتحدة أخيراً، أجاب «نحن نسعى لتعزيز صلتنا الودية مع كل الدول الراغبة في صداقتنا، ونقبل التعاون مع أي دولة بشرط ألا يمس استقلالنا وسيادتنا، أو يلحق ضرراً بأي بلد عربي، وهذا شأننا مع الولايات المتحدة وغيرها».
وأبرزت إحدى الصحف المصرية أهمية زيارة الملك سعود في وقت تتعرض فيه مصر لأزمة مع الغرب، وهو ما بخل به كثير من ملوك العرب ورؤساؤهم، فجاءت الزيارة لتثبت للغرب قوة الرباط بن مصر والسعودية، وقد أعلن ضيف مصر أنه غير مستعد لقبول أي وفاق مع قوة عظمى تمد نفوذها إلى الدول العربية.
وقف تصدير البترول في حرب أكتوبر 1973
وعندّما خاضت مصر حرب أكتوبر عام 1973، أيدّت المملكة العربية السعودية مصر في حربها، وفي شهر أكتوبر قررَ الملك فيصل الاجتماع بوزراء البترول العرب، وقرروا تخفيض الإنتاج الكلي العربي بنسبة 5%، وقررت 6 دول من اتحاد «الأوبك» رفع سعر بترولها بنسبة 70%، وقررت بعض الدول العربية حظر تصدير البترول كلية إلى الدول التي يثبت تأييدها لإسرائيل بما فيها الولايات المتحدة.
وقام الملك فيصل باستدعاء السفير الأمريكي في السعودية، وأبلغه رسالة لكي يوصلها إلى الرئيس الأمريكي وقتها نيكسون، يبلغه فيها أنه إذا استمرت الولايات المتحدة في مساندة إسرائيل، فإن السعودية ستخفض إنتاجها بنسبة 10% وليس فقط 5%، كما قرر وزراء البترول العرب، كما ألمح الملك في رسالته إلى احتمال وقف شحن البترول السعودي إلى الولايات المتحدة إذا لم يتم الوصول إلى نتائج سريعة وملموسة للحرب الدائرة.
وأثار ذلك غضب الولايات المتحدة الأمريكية، وبتاريخ 20 أكتوبر، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستدعم إسرائيل بمبلغ 2 مليار و100 مليون دولار كشحنات أسلحة جديدة، فقامت الدول العربية في نفس اليوم بالإعلان عن حظر تصدير النفط تمامًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية.











