
الأرستقراطية زمان لم تكن في «الروح» كما يشاع الآن، بل تجلّت مظاهرها في سعة مُلك الأفراد، ومدى ترفهم، ونصيبهم من اللهو، والمرح، والخروجات، والسفريات. وفي خطوة من أجل تمكين الأرستقراطية في نهايات القرن التاسع عشر، تبرع الأمير عمر طوسون، حفيد محمد علي باشا، بمساحة كبيرة من الأرض، لإنشاء نادِ يرتع فيه أبناء وخواجات الطبقات الراقية، فجاء افتتاح نادي «سبورتنج» في محافظة الأسكندرية في 10 سبتمبر 1980، بحضور الخديو توفيق، وفقًا للتقاليد والثقافة البريطانية. ولهذا، خرجت جموع الأثرياء من «حبسة» القصور، للانطلاق في رحاب النادي، ومارست فيه مختلف الأنشطة في ملاعب الجولف، والبولو، والتنس، وحلبة سباق الخيل.
وتعرضت الباحثة مي الطباخ، المتخصصة في في «التراث المستدام»، ووفقًا لموقع «مظاهر القاهرة – cairobserver»، لقضية النادي، وحجم المشكلات التي يواجهها، يرصدها «المصري لايت» في التقرير التالي.
في البداية، تقول «الطباخ»: «لو كنت من سكان الأسكندرية، فأغلب الظن أنك لمحت البوابات الرئيسية لنادي (سبورتنج)، وأنت راكب في الترام في لحظة ما. ولو كنت من أعضاء هذا النادي فإنك لا شك استخدمت تلك البوابات في دخولك وخروجك من هذا النادي».
وتواجه البوابات الحالية خط الترام، وتقع بين مبان أسمنتية كبيرة لا علاقة لها بالنسيج الأصلي لمخطط أواخر القرن التاسع عشر.
وتقول «الطباخ»: «أسماء المهندسين حُفرت بشكل متناسق على جانب المدخل، ولكن أحد الجانبين وضعت عليه لوحة معدنية زرقاء كبيرة تحتضن كلمة (دخول)».
وتشير «الطباخ» إلى أن «الأمر استغرق وقتًا طويلًا حتى تمكن عضو محترم في مجلس إدارة النادي من إزالة اللوحة المعدنية، وإظهار الاسم المحفور تحتها.
وتقول الباحثة: «بعد إزالة اللوحة أصبح من الممكن قراءة النقش التالى: المهندس المعمارى (كاتارينك للمشروعات العامة)».
ترجع الباحثة لسرد تفاصيل تطور النادي، فتقول: «قرابة العام 1932، عندما نالت تقاليد سباق الخيل حظًا كبيرًا من الإقبال في أوساط الطبقات الراقية في الأسكندرية، قررت إدارة النادي هدم المدرجات الخشبية المتواضعة واستبدالها بمبنى أكثر حداثة. وللقيام بهذا الأمر، تم التعاقد مع شركة المقاولات الإيطالية (دنتامارو وكارتاريجيا)، والتي لعبت دورًا كبيرًا فى مجال الإنشاءات في الأسكندرية في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي،حيث أُسند إليها تنفيذ التصميم الذي وضعه المعندس المعماري (كاترينك ستيفان)، والذي لم تعد لدينا أى معلومات بشأنه، أما الآن، فنجد أن تقاليد سباق الخيل اختفت».
وتقول الباحثة: «ظل المكان مهملًا لمدة تفوق الثلاثين عامًا، واختفى ذلك المجتمع متعدد الثقافات، الذي كان يعيش في تلك المدينة، وحل محله مجتمع محلي في معظمه. وتحت وطأة الحاجة إلى مكان يفي بحاجات الأعضاء الحاليين، بدأ مجلس الإدارة يفكر في هدم المبنى الذي تدهور من جهة الشكل ولكنه ما زال سليمًا إنشائيًا، وذلك لإفساح المجال لخدمات وأنشطة أخرى».
وتم إدراج المبنى في قوائم الحماية من قبل السلطات المحلية بسبب تميزه التاريخي، وهو بذلك يتمتع بحماية قانونية ضد الهدم. ولكن النادي رفع قضية يطلب فيها إزالته من قوائم الحماية، بحسب الباحثة.
وفي النهاية، تتوجه الباحثة بسؤال إلى السلطات المحلية المسؤولة عن حماية التراث المعماري: «ما هى فائدة الحماية عندما نهمل في توعية المجتمع بقيمة ومغزى المبانى المحمية؟».
كما تتوجه بسؤال آخر إلى إدارة النادي: «لماذا تريدون أن تحرموا النادي من المبنى التراثي الوحيد الذي تبقى على حاله، وأيضًا هل فكرتم بشكل جدي فى خطط لتعديل استخدامه بدون اللجوء إلى الهدم؟».







