اكسترا

قصة أغنية غنتها مطربة مشهورة بعد استشهاد ابنها في حرب أكتوبر: «أبكت مصر كلها»

يحكي الكاتب أيمن الحكيم، على لسان ابنة الموسيقار الكبير، علي إسماعيل، شجون علي إسماعيل، قصة أغنية كتبتها والدتها لمطربة شهيرة بعد استشهاد ابنها حمل عنوان «أنا أم البطل»، ولحنها والدها ليهديها لهذه المطربة حتى تخرج من أزمتها بعد فقدان ابنها أحد أبطال حرب أكتوبر.

تقول شجون: آمن والدي بوطنية عبد الناصر وزعامته واعتبر نفسه جنديا وراءه يحارب قضيته بالأغنية وبسلاح الفن، ولذلك لا تتصور حال أبي يوم جنازة عبد الناصر، بكى كما لم يبك أباه، وذهب لحضور الجنازة مع والدتي، الشاعرة الغنائية نبيلة قنديل، وعاد في شبه انهيار، وتحول بيتنا إلى سرادق عزاء وكأن عبد الناصر من بقية عيلتنا.

نتيجة بحث الصور عن علي إسماعيل

لم يفقد إيمانه أبدا بعبد الناصر، حتى بعد النكسة وانكسار الحلم، كان على يقين بأنه سيقوم ويرد الضربة وينتصر، وهو ما تجلى في أغنية «طالعين شايلين في إيدنا سلاح.. راجعين شايلين رايات النصر» وهي الأغنية التي لحنها في فيلم «العصفور»، وأذكر أن مخرجه يوسف شاهين طلب منه أغنية ليضعها في نهاية الفيلم لتبشر بالنصر، وذهب إلى والدتي طالبا منها كتابة كلمات أغنية عن النصر القادم، سألته وكانت تعيش حالة من الإحباط بعد النكسة: «أكتب إيه يا علي؟»، فرد بثقة: «اكتبي على لسان الجنود اللي رايحين يحاربوا ويحرروا الأرض.. رايحين شايلين السلاح.. راجعين شايلين رايات النصر».

كنت حاضرة لتلك المناقشة بين والدي ووالدتي في صالون بيتنا، وكتبت أمي الأغنية ولحنها ووزعها علي إسماعيل، ويشاء القدر أن تكون أول أغنية تذاع احتفالا بالعبور العظيم في 6 أكتوبر 1973.

نتيجة بحث الصور عن شريفة فاضل

وهي تذكرني بأغنية أخرى من أجمل ما كتبت والدتي ولحن والدي، أغنية «أنا أم البطل»، فوالدتي كانت من أقرب صديقات المطربة الكبيرة شريفة فاضل، ولما ذهبت لتعزيها في ابنها الطيار البطل الذي استشهد في معركة العبور، كانت طنط شريفه في انهيار كامل، مصدومة وملتاعة ويأكلها الحزن وليس على لسانها سوى جملة واحدة ترددها في ذهول: «ابني حبيبي.. يا نور عيني»، وكنت جالسة بجوار أمي، وفجأة رأيتها انسحبت ودخلت حجرة بعيدة وكتبت كلمات أغنية جاءتها من وحي اللحظة: «ابني حبيبي يا نور عيني بيضربوا بيك المثل.. طبعا ما أنا أم البطل».

ولما رجعنا إلى البيت أخرجت كلمات الأغنية من حقيبتها وناولتها لوالدي والدموع في عينيها: «علي إنت لازم تلحن الكلام ده»، وبعد أسبوع كانت الأغنية جاهزة، واتصل والدي بطنط شريفة: «عدي عليّ في الاستوديو، فيه أغنية هتغنيها»، قالت له في عتاب: «أغنية إيه يا علي وأنا دم ابني ما بردش، ولسه لابسة الإسود عليه؟»، قال في هدوء: «ما هي أغنية لابنك، ومحدش هيغنيها غيرك»، وغنت شريفة فاضل «أنا أم البطل» فأبكت مصر كلها.

ولا بد أن تشهد لهذا الجيل أنه كانت نيته خالصة للوطن وهو يغني له، لم ينتظر أجرا ولا مقابلا، كان مستعدا أن يصرف على أغنيته الوطنية من جيبه، ويتحمل أجور العازفين والاستديوهات، ولذلك جاءت أغانيهم صادقة حقيقية تدخل وجدانك من أول كلمة وأول نغمة، ومع ذلك لم تبخل الدولة يومها بتكريم صناع أغاني الثورة، والدي مثلا نال وسام الفنون من الطبقة الأولى من يد عبد الناصر.

زر الذهاب إلى الأعلى