
لسنوات طويلة كانت مصر دائماً مركز الإشعاع الثقافي والفني من القاهرة للإسكندرية ومختلف المحافظات، كأول دولة تنتشر السينمات بها منذ افتتاح أول سينما توغرافي لـ«لوميير» بالإسكندرية منتصف يناير 1897م، وحصل على حق الامتياز «هنري ديللو سترولوجو»، حيث قام بإعداد موقع فسيح لتركيب آلاته، واستقر على المكان الواقع بين بورصة طوسون، وتياترو الهميرا، ووصل إلي الإسكندرية المصور الأول لدار لوميير «بروميو» الذي تمكن من تصوير «ميدان القناصل» بالإسكندرية وميدان محمد علي، ويعد هذا أول تصوير سينمائي لبعض المناظر المصرية تم عرضها بدار سينما لوميير، واعتبر 20 يونيو 1907 م هو بداية الإنتاج السينمائي المصري.
وعلى مدى أكثر من مائة عام قدمت السينما المصرية أكثر من أربعة آلاف فيلم، تمثل في مجموعها الرصيد الباقى للسينما العربية والذي تعتمد عليه الآن جميع الفضائيات العربية تقريبا، وتعتبر مصر أغزر دول الشرق الأوسط في مجال الإنتاج السينمائي منذ أول أول فيلم روائي طويل يتم إنتاجه عام 1917، وبعدها أول فيلم مصري صامت هو فيلم (برسوم يبحث عن وظيفة).
لم تكن محافظة في مصر دون سينما حتى وصلت فقط في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي إلى 450 دار عرض تقلصت الآن إلى أقل من نصفها، وفقاً لإحصائية عرضها الناقد والكاتب علي أبوشادي، وهو ما يظهر التراجع الكبير في مستوى السينما كمشاهدة ودور عرض وحتى إنتاج.
يقول أبوشادي: «هناك تراجع كبير في السينمات بمصر، فبعد أن كان عددها يصل إلى 450 داراً للعرض في الخمسينيات، وصلت حالياً إلى 80 موقعاً فقط على مستوى الجمهورية تحتوي على حوالي 400 شاشة، حيث يصل عدد الشاشات في دار العرض الواحدة من 6 إلى 12 شاشة تخدم منطقة واحدة».
وتابع أبوشادي أن «معظم السينمات يتركز في القاهرة داخل المولات الشهيرة، بينما هناك كثير من المناطق محرومة كلياً من أي دار للعرض السينمائي، فمعظم عواصم المحافظات أصبحت خالية من أي دار للعرض، بينما تحظى أماكن أخرى بتخمة في عدد المواقع أو الشاشات، فمدينة نصر بالقاهرة -على سبيل المثال- بها ما يقرب من 50 شاشة في مقابل مدينة تمثل عاصمة إحدى المحافظات لا توجد بها أي دار عرض -مدينة شبين الكوم بمحافظة المنوفية- وهي على سبيل المثال لا الحصر».
تقلصت في السنوات الأخيرة أعداد السينمات في محافظات الجمهورية، فبعدما كانت كل محافظة بها على الأقل سينما واحدة بالإضافة لما تعرضه قصور الثقافة من أفلام، لم تعد هناك سينمات سوى في 11 محافظة من واقع 27 محافظة تشكل القُطر المصري الكامل، أي أن هناك 16 محافظة ممنوعة من السينما، بواقع 76 سينما في القاهرة، و27 في الإسكندرية، و2 في السويس ومثلهما في الشرقية والغردقة والسويس ودمياط والقليوبية، و3 سينمات في الغربية والإسماعيلية وبورسعيد، وفي أسوان واحدة، وأخرى بالدقهلية في مدينة المنصورة، بينما باقي المحافظات تم هدم دور السينما بها، آخرها أسيوط.
محافظات مثل قنا لم تعرف السينما سوى في مركز نجع حمادي، قبل أن يتقاسم ملاك الأراضي المساحات المقامة عليها السينمات، لإقامة أبراج سكنية، أما في الفيوم فكانت هناك سينما بميدان السواقي قبل أن يتم هدمها بعد ثورة يناير وإنشاء برج سكني بدلاً منها.
https://www.youtube.com/watch?v=Xe3Bx7F_1Cg
أما محافظة مثل الأقصر فوفقاً لبيانات وزارة الثقافة كانت تحتوي على 11 دار عرض وليست سينما واحدة فقط، لكن كل ذلك تبخر سريعاً وتتحول المحافظة إلى أبراج ومحلات وغابت شمس السينمات عنها، ولم يختلف الوضع كثيراً عن محافظة أسيوط التى هدمت آخر السينمات بها في بداية العام الجاري وسط غضب شعبي كبير داخل المحافظة دفع المسؤولين للتأكيد على بحثهم عن مكان آخر لإنشاء سينما إلا أن ذلك لم يحدث.
ومن مدن الجنوب إلى وجه بحري، فمحافظة المنوفية التي كان بها عدد لا بأس به من السينمات، من بينها «سينما ماجدة» في قويسنا، و«سينما النصر» في مركز أشمون، ودار عرض مركز منوف، كلها أغلقت ولم تعد هناك أي دور عرض، حتى في مدينة شبين الكوم لم تعد هناك سينما ودار عرض كبيرة باستثناء بعض الأفلام التي تعرض في نوادٍ أو قرى سياحية لكنها ليست سينمات بالشكل المتعارف عليه.
يقول الكاتب والسيناريست بشير الديك: «ولدت فى إحدى قرى محافظة دمياط، وقضيت فجر حياتى فى مدينة المنصورة، بقيت فيها من سن 5 سنوات حتى بلغت الثانية عشرة من عمرى، ثم عدنا مرة أخرى إلى دمياط، وفي المنصورة رغم السن المبكرة كانت فسحة أسرتى الصغيرة بشكل أساسى هي الذهاب إلى السينما، كان ذلك شيئا بهيجا، رحلة أسهمت فى تربية وجدان الطفل، وكنت أنا وأسرتي وأحيانا بعض الجيران ننتظر الموعد الأسبوعى لهذه الرحلة فى شغف بالغ».
يضيف بشير: «في دمياط استمر الطقس الأسبوعي، حيث كانت هناك داران لعرض الأفلام (سينما اللبنان وسينما دمياط) وعندما أضيفت إليهما سينما قصر الثقافة كان ذلك حدثا هائلا، ففي سينما قصر الثقافة كان يعرض علينا رواد القصر من الشباب أفلاما عالمية مختارة بعناية وفى إطار خطة مدروسة من قبل وزارة الثقافة، وكان يصاحب هذه الأفلام مثقفون سينمائيون لمناقشة الفيلم مع جمهور الشباب، كان ذلك شيئًا فذًا وممتعًا فنيًا وثقافيًا متعة لا يستطيع أن يقدرها إلا من ذاقها».
ويستكمل: «عرفت فى زيارة أخيرة إلى دمياط أن المحافظة كلها مدينة ومراكز وقرى ليس فيها أي دار عرض سينمائي واحدة، تساءلت بيني وبين نفسي هل هذا يجوز؟ وفوجئت بشدة عندما عرفت أن باقي المحافظات في الغالب الأعم تخلو من دور العرض السينمائي».
وعلى الرغم من أن محافظات مثل السويس والشرقية والدقهلية وأسوان بها دور للعرض تجدر الإشارة هنا للتوقف عند عدد السينمات الكبير قديماً في السويس، فكان بها حوالي 18 دار سينما ومسرحًا للفنان الكوميدي وابن المحافظة إسماعيل ياسين، تم هدمها باستثناء دارين للعرض وغابت دور الفنون عن المحافظة العريقة.
وتمتلك محافظة الشرقية البالغ تعداد سكانها حوالي 8 ملايين نسمة، عددًا قليلًا من دور السينما، منها سينما الأسرة بمدينة الزقازيق، ومجمع السينمات بنادي أحمد عرابي المواجه لجامعة الزقازيق، ومجمع السينمات بالمصرية بلازا بمنطقة القومية.
ومحافظة الدقهلية، البالغ عدد سكانها 7 ملايين نسمة، لديها 4 دور سينما فقط، تتركز منها ثلاث في مدينة المنصورة التي يتجاوز تعداد سكانها 500 ألف نسمة، بشارع المشاية السفلية والجمهورية، هي «النصر، وأوبرا، وجود نيوز»، بينما توجد سينما «مصر» بمركز ميت غمر، الذي يبلغ عدد سكانه 120 ألف نسمة.
https://www.youtube.com/watch?v=u_AG3V8_CH0

